المخدرات.. جلب شيطاني يدمر الإنسان والمجتمعات


المخدرات .. جلب شيطاني يدمر الإنسان والمجتمعات

المخدرات هي مواد طبيعية وغير طبيعية يؤدي استخدامها إلى تغيير في الحالة النفسية والعقلية والبدنية لمستخدمها.

المخدرات لها استخدامين أساسين:
الاستخدام الأول: في الأغراض الطبية والعلاجية
الاستخدام الثاني: في أغراض الحصول على اللذة والمتعة وتحقيق النشوة.
استخدام المخدرات بشكل متكرر وبصورة عامة يؤدي إلى حدوث ما يسمى بالاعتمادية الجسدية والنفسية على المادة المستخدمة.
ويعني ذلك أن هناك توابع خطيرة تحدث طالما توقف الشخص الذي أعتاد على استخدام المخدرات فجأة عن استخدامها.
وهذه التوابع الخطيرة هي ما يطلق عليه الأعراض الانسحابية للمواد المخدرة، والتي تختلف بحسب طبيعة المادة المستخدمة.
فهناك بعض المواد المخدرة التي تكون الآثار الانسحابية لها جسدية، وتأتي في صورة تشنجات عصبية وإسهال وقيء.
كما تكون هناك بعض المواد المخدرة الأخرى التي تكون آثارها الانسحابية نفسية، فيؤدي التوقف عنها الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية.
من ضمن هذه الاضطرابات الإصابة بالاكتئاب ونوبات الهلع، وبعض أنواع الاضطرابات النفسية الأخرى، كالأرق المرضي.
ويدفع الاعتماد النفسي والجسدي على المخدرات إلى ما يطلق عليه الاستخدام القهري.
والاستخدام القهري للعقاقير والمواد المختلفة هو ما يعرف بـ"الإدمان".
والإدمان يحول من سلوكيات الشخص المُصاب به، ويدفعه للقيام ببعض التصرفات والأفعال التي يكون هدفها الأساسي الوصول للمادة المدمنة وتعاطيها.
المخدرات عبر التاريخ:
استخدم البشر العقاقير المخدرة منذ آلاف السنوات، فقد ثبت أن قدماء المصريين صنعوا النبيذ قبل 4000 سنة.
وكان النبيذ بالنسبة لقدماء المصريين مشروبًا روحيًا يولد لمن يشربه السعادة والبهجة.
ووجدت الدراسات التاريخية أيضًا أن الصينيين لجئوا لاستعمال الماريجوانا في الأغراض الطبية قبل نحو 2750 عامًا.
توالي الحقب التاريخية والأزمان وتطور العلوم، ظل البشر يكتشفون ويصنعون العقاقير المخدرة، فظهر الأفيون والكوكايين والحشيش، ولاحقًا المورفين.


بداية اكتشاف المشكلات التي تسببها المخدرات:
مع حلول نهايات القرن الـ 18 بدأت تلوح في الأفق المشكلات التي تنتج عن إساءة استخدام العقاقير المخدرة.
وأصبح لدى الدول والحكومات بالتدريج وعي أكبر بضرورة مواجهة المخدرات ومحاصرتها ومنع تداولها.
وبدأ تنفيذ الخطوات العملية بمنع الأفيون ثم الكوكايين، وفيما بعد الهيروين، وأصبحت تجارة هذه المواد حول العالم تخضع للقانون الدولي، وخلال الفترة الممتدة ما بين 1920 ــ 1935، قامت بعض الدول بمنع تداول الكحوليات على أراضيها، إلا أنها عدلت إجراءاتها، وأصبحت الكحوليات مصرح بتداولها على نطاق عالمي، وإن كانت بعض الدول القليلة والمعدودة لا تزال تمنعها.


أنواع المخدرات:
توجد أنواع غير محدودة من المواد المخدرة، وهي تزيد بشكل مستمر مع تطور العلوم وزيادة الاكتشافات.
وتختلف مستويات تعاطي هذه المواد ودرجات تأثيرها، مثلما تختلف نظرة المجتمعات لها، فهناك أنواع مرحب بتداولها وأنواع غير مرحب بها.


المواد المخدرة القانونية:


  • هي مواد مخدرة يصرح قانونًا بتداولها عن طريق صرفها بوصفات طبية، أو من غير وصفات.
  • تشمل المواد التي قد تحتاج لوصفات طبية:
  •  المهدئات.
  • المنومات.
  • بعض العقاقير المؤثرة على الحالة النفسية.
  • المسكنات.


تشمل المواد التي لا تحتاج لوصفات طبية:

  •  الكافيين.
  • الكحوليات.
  • النيكوتين (التبغ ومشتقاته).
  • المواد المذيبة والطيارة (طلاء الأظافر ــ الغراء ــ البنزين).



الأضرار تحدث رغم حُسن النوايا:

تتحول العقاقير المخدرة سواءً كانت تحت إشراف طبي أو أستغل الإشراف الطبي فيها إلى مشكلات إدمانية لاحقة.
المثال الحي على ذلك، هو أزمة عقار الفاليوم، والذي شاع استخدامه خلال حقبتي الستينات والسبعينيات من القرن الماضي، وبمرور الوقت سبب أزمة إدمانية كبيرة أدت لبعض المشكلات الاجتماعية والصحية بعدد غير قليل من دول العالم.
في فترة التسعينيات من القرن نفسه ساعدت مبيعات عقار فلوكسيتين "بروزاك" على خلق سوق موازي لهذا العقار، وبلغت قيمة التجارة غير المشروعة في هذا العقار بالولايات المتحدة الأمريكية فقط نحو 3 مليارات دولار، وكل تلك الأزمات دفعت بالمتخصصين وأصحاب الخبرة في مجال العقاقير الطبية والمخدرة إلى المناداة بضرورة تضييق وسد الثغرات القانونية.
حيث اعتبروا أن هذه الثغرات تخلق ما يسمى بالثقافة القانونية للمخدرات.
من وجهة نظر هؤلاء أن الثقافة القانونية للمخدرات تجعل الناس يفضلون الحلول السريعة بدلًا من التفكير في كيفية مواجهة مشاكلهم.


متى تتحول المخدرات من مواد مشروعة إلى مواد غير مشروعة؟

تعتبر المواد المخدرة مشروعة حتى يتم التحول إلى استخدامها في أغراض غير طبية.
يعني ذلك أن كل الاستخدامات التي تتعلق بأغراض تحقيق السعادة والوصول للنشوة والسعادة المبالغ فيها، هي أعمال تجعلها غير مشروعة.

أسباب استخدام وتعاطي المخدرات:

يستخدم الناس ويتعاطون المواد المخدرة حول العالم لأسباب مختلفة، من بينها:
ضغط الأصدقاء.
الوصول إلى النشوة وتحقيق السعادة.
الهروب من الواقع.
الشعور بتقدير الذات.
التخفيف من الألم النفسي.
بعض الرياضيين يستخدمنها لتساعدهم في بناء كتل العضلات وزيادة طاقة الجسم


الآثار التي تترتب على إساءة استخدام وتعاطي المخدرات:
ينتج عن إساءة استخدام وتعاطي المواد والعقاقير المخدرة عدد من التأثيرات السلبية على الفرد ومحيطه العائلي، وعلى المجتمع ككل.
على الفرد:

يتعرض الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات إلى عدد كبير من المشكلات النفسية والعقلية، إلى جانب الأضرار البدنية بالتأكيد.
تعاطي الكوكايين قد يشعرون بالإثارة والسعادة والنشوة، خلال مراحل التعاطي الأولى.
لكن بعد ذلك يقودهم الاستمرار على استخدام المخدر إلى الانهيار، وينتج عن هذا الانهيار الإصابة ببعض الأمراض النفسية مثل القلق والاضطرابات المزاجية والاكتئاب، ويجد المتعاطين ضرورة في رفع جرعات المخدر.
الإدمان يسبب على المدى الطويل الكثير من الأمراض العقلية، فوجدت الدراسات أن مدمنى القنبيات والكحوليات هم الأكثر إصابة بنوبات الجنون.

القنبيات هي مشتقات نبات القنب الهندي ومنها: (الحشيش ــ الماريجوانا).
فيما يتعلق بالأمراض البدنية فمدمني العقاقير المخدرة هم من أكثر الفئات المعرضة للإصابة بأمراض الكبد.
السبب هنا يرجع لزيادة كمية السموم التي تدخل لأجسامهم بالشكل الذي تتضاعف معه المهام المطلوبة من الكبد، وبمرور الوقت تَضعُف وظائف الكبد، وقد تتطور الأمور إلى الإصابة بالفيروسات الكبدية، أو الفشل الكبدي الكامل.
إدمان المخدرات سبب رئيسي في انخراط المدمنين في الأنشطة الإجرامية غير المشروعة.
فالشخص المدمن يكون باستمرار تحت ضغط الحاجة إلى توفير المادة المخدرة، من أجل أن يتفادى التعرض لأعراض الانسحاب، وهذه الأعراض تدفعه للقيام بمختلف التصرفات لتحقيق هدف واحد، وهو توفير المواد المدمنة.
تتسم الجرائم التي يرتكبها مدمني العقاقير المخدرة بأنها تكون أكثر عنفًا، مثل جرائم القتل والسطو والاغتصاب، وتسهيل الدعارة، أو ممارستها.

آثار المخدرات على الأسرة:

استخدام وتعاطي المواد المخدرة يؤثر على الحالة الصحية والمزاجية للإنسان بشكل عام.
تؤدي إلى بعض المشكلات مثل ضعف الأداء في العمل وعدم الإنتاج، بالإضافة إلى المشاكل الزوجية.
المال هو من ضمن الأهداف الأساسية لمدمني المواد المخدرة، فتوفر الأول يعني وجود الثانية.
مما لا شك فيه أن توجه المدمنين للإنفاق على احتياجاتهم من المواد المخدرة سيؤدي إلى انصرافهم عن تدبير احتياجات أسرهم، والمدمنون بشكل عام أشخاصًا يهربون من تحمل المسئولية، ولهذا تمثل الأعباء الأسرية أكبر عائق أمامهم للاستمتاع بحياتهم.
وفي الحالات التي تتعلق بإدمان السيدات للعقاقير المخدرة، فإن الأمر هنا يعتبر أشد خطورة، فالمواد المخدرة التي تدخل إلى أجسادهن تصل بطريقة أو أخرى لأطفالهن سواء وهم أجنة بالأرحام، أو من خلال لبن الرضاعة، وذلك يشير إلى أنهن سيلدن أو يربين أطفال مدمنين، أو لديهم القابلية للإصابة بمرض إدمان المواد المخدرة.
أثبتت الدراسات التي أجريت حول هذا الأمر، أن أطفال المدمنات يكونون أكثر تعرضًا للمشكلات الصحية من غيرهم.
وفي أسوأ الأحوال فإن الأم المدمنة تورث أبنائها سلوكيات غير حميدة، لا تؤهلهم لأن يصبحوا أشخاصًا منتجين أو مبدعين.

آثار المخدرات على المجتمع:

استخدام وتعاطي المواد المخدرة يؤثر سلبيًا على المجتمعات في نواحٍ متعددة.
فانتشار المواد والعقاقير المخدرة والإدمان عليها يتسبب في تراجع الإنتاج وزيادة البطالة، وانتشار الجريمة المنظمة، وظهور سلوكيات وأخلاقيات غير حميدة، والمدمنين ومستخدمي العقاقير هم أكثر الفئات التي تتعرض للحوادث المهنية.
تشير الدراسات الميدانية إلى أنهم أيضًا سبب رئيسي في حوادث الطرق والتي ينتج عنها مئات الألوف من الوفيات سنويًا، والجرائم التي تتعلق بتعاطي وترويج المواد المخدرة قد تتسبب في تعطيل الحياة ببعض البلدان بشكل كامل.
يعتبر وجود مدمنين في مجتمع ما بمثابة مصدر تهديد دائم لسكانه، وترتبط الجرائم التي تتعلق بانتشار العقاقير المخدرة وتجارتها دائمًا بالمراهقين والشباب.
فهؤلاء الصغار قد يكونون ضحية للتعاطي أو ضحية لمنظمات وعصابات الاتجار.
فالدافعية ونقص الخبرة وعدم القدرة على التحكم في المشاعر وافتقاد المنطقية في التفكير تجعل الكثير منهم يسقطون صرعى للإدمان، وتستغل العصابات جهل الصغار بالقوانين وتستفيد من العقوبات الجنائية المخففة التي تكفل لهم في تورطهم في عمليات البيع والتهريب.

بالتأكيد فالشباب والمراهقين هم الثروة الحقيقية للشعوب، وذخيرتها للمستقبل.
من ضمن الخسائر التي تسببها المخدرات للمجتمعات تكاليف مكافحتها، سواء وأد انتشارها في المهد، أو علاج من يدمنون عليها، وتتكلف عمليات مكافحة انتشار المواد المخدرة مبالغ طائلة، وتحتاج إلى تقنيات متطورة، وخبرات بشرية غير محدودة، وبجانب ذلك فعلاج مدمنيها يكون الأصعب والأكثر تكلفة، كما أنهم يصنفون ضمن الفئات الغير منتجة، والتي تحتاج إلى من يعولها.

الوقاية والعلاج:
يعتمد علاج متعاطي المواد المخدرة على شدة وطبيعة الحالة الإدمانية.
كما يعتمد العلاج كذلك على دافعية متلقي العلاج، وتوافر الخدمات الصحية.
فبعض المدمنين قد يطلبون العلاج طواعية ومن تلقاء أنفسهم، والبعض الآخر قد يتقبله تحت ضغط الاسرة والأهل، وقد ترسل المحاكم جزءًا ثالث للعلاج على الرغم من مخالفة ذلك لرغباتهم.
وتؤكد احصائيات منظمة الصحة العالمية أن نحو ثلث الذين يتلقون العلاج من إدمان المواد المخدرة يكون لهم سلوك إجرامي.

العلاج طبي وسلوكي:
عند علاج إدمان العقاقير المخدرة تشتمل الأنظمة العلاجية على مجموعة من العناصر تتضمن العلاج الطبي والنفسي والاجتماعي.
غالبًا ما يتم تعزيز العلاج في النهاية ببعض الدعم التعليمي والمهني، مثل دمج المدمنين في أعمال تناسبهم لقتل الفراغ لديهم.
علاج إدمان العقاقير يبدأ بإزالة آثارها من الجسم، ثم يتبع ذلك برامج دوائية، وينتهي الأمر بالإرشاد النفسي والاجتماعي، والأدوية الطبية جزء أساسي وأصيل من منظومة علاج إدمان العقاقير المخدرة، فهي تقلل التأثيرات السلبية لأعراض الانسحاب قدر الإمكان.

خطط تخفيض الطلب على المواد المخدرة:

جرى مؤخرًا مكافحة انتشار المواد المخدرة عن طريق وضع خطط تتناسب مع التطورات التي تحدث بأسواق الاتجار والتعاطي.
فبالإضافة إلى الجهود الأمنية على المستويات المحلية والدولية، توجد أدوات أخرى يمكن استخدامها للمساعدة في هذا الأمر، ومن بين تلك الأدوات استغلال الإعلام والمدارس والتجمعات في بث رسائل التوعية من خطورة استخدام وتعاطي المواد المخدرة، وابتكرت في هذا الشأن العديد من الرسائل الإعلامية والتحذيرية بدءًا من كتابة عبارات التحذير على علب السجائر وزجاجات الخمور.
وصل الأمر مؤخرًا إلى إنتاج البرامج والأفلام التي تنشر التحذيرات وتجسد الواقع الأليم لكل من يعيش تجربة الإدمان، وتدخل المستشفيات ومراكز العلاج ضمن أدوات تخفيض الطلب على المواد المخدرة.
فمع حالة التطور التي طالت أنظمة وبرامج علاج الإدمان على المواد المخدرة أصبحت نسب الشفاء في ارتفاع مستمر.
وإن دل ذلك فإنما يدل على أن مستشفيات ومراكز العلاج تمكنت من حل لغز إدمان المواد المخدرة.
ويتمثل هذا اللغز في حالة الإنكار التي يظل المدمن متمسكًا بها، ورافضًا بالاعتراف من معاناته من مشكلة كبيرة.

القوانين الجديدة:

مع زيادة أخطار العقاقير المخدرة وتأثيراتها السلبية على منظومة العمل والإنتاج، ابتكرت بعض الضوابط والقوانين الجديدة للحد من هذه الأخطار.
ومن ضمن هذه الضوابط والقوانين توقيع الكشف على الموظفين الجدد عند التحاقهم بالوظائف الجديدة للتأكد من عدم تعاطيهم للمخدرات.
كما يتم تنظيم حملات للكشف المفاجئ على قدامى الموظفين وعمال المصانع والسائقين للتأكد من عدم تعاطيهم أو استخدامهم للعقاقير المخدرة، وبالتأكيد فكل هذه الإجراءات ترفع من الوعي العام بخطورة مشكلات تعاطي وإدمان العقاقير والمواد المخدرة.

يمكن التنبؤ بأضرارها؟

ويبقى القول في النهاية بأنه لا يمكن التنبؤ بأضرار وأخطار المواد المخدرة، على الفرد والأسرة والمجتمع.
فالمخدرات هي عمل شيطاني، وإساءة استخدامها هو أيضًا فكر شيطاني لا يجلب سوى الشرور للإنسانية، والمشكلات التي تنتج عن إدمان المواد والعقاقير المخدرة تكون لها تداعيات بعيدة المدى.
وتجدر الإشارة إلى أن علاج الإدمان أصبح ميسرًا وبصورة أكبر من أي وقتٍ مضى في مستشفيات ومراكز العلاج والتأهيل، وفقط العلاج الصحيح، والمبني على الأسس الطبية والعلمية الحديثة، والمقدم بواسطة المختصين هو طوق النجاة من مستنقعات الإدمان والتعاطي.

يجب لفت الانتباه إلى جزئية مهمة تتعلق بالشخص المدمن أو المريض بمرض الإدمان، فهو ضحية مهما كانت مساوئه.
هذا يعني أن المدمن قد يعاني من بعض الضغوط والمشكلات التي تدفعه للتعاطي.
كما قد يكون مصابًا ببعض العيوب الشخصية تدفعه للإدمان أيضًا.
مهما كانت الأسباب ففي النهاية هو ضحية وبحاجة لمن يساعده، ولعله يعود ومثلما حدث مع الآلاف شخصًا صالحًا نافعًا لمجتمعه.

إرسال تعليق

0 تعليقات